فصل: من فوائد الفخر في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين...} الآية وفى الأنفال: {ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب} وفى الحشر: {ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله فإن الله شديد العقاب}.
للسائل أن يسأل عن إدغام الوارد في الحشر وفك الإدغام في السورتين قبل ما وجه ذلك مع أن الفك والإدغام فصيحان؟
الجواب أن الإدغام تخفيف وليس بالأصل فورد في النساء على الأصل ولم يقترن به ما يستدعى تخفيفه ولا سؤال في ذلك ولما تقدم في سورة الحشر قوله تعالى: {ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله}وتقد الماضى مدغما ولم يسمع في الماضى إلا تلك اللغة، فجئ بما حمل عليه من قوله: {ومن يشاق الله} مدغما ليحصل مجئ الإدغام قبله في الماضى من قوله: {ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله} وعطف {ورسوله} على اسم الله تعالى وقد وردت نسبة المشاقة لله ورسوله وورد ذلك بالعطف بالواو الجامعة وهو ما يناسب الفك فاستدعى الموضع داعيان:
أحدهما ما قبله من الإدغام، والثانى ما بعده من العطف المشبه للفك، فروعى البعدى لأنه أقوى في الرعى كما فعلوا في الإمالة فلم يميلوا مناشيط وما كان مثله مما تأخر فيه حرف الاستعلاء وإن حال بينه وبين الألف حرفان ومع ذلك فإنه يمنع الإمالة وليس كذلك في قوة المنع إذا تقدم مع حائل فكذا فعلوا فيما تقدم فراعوا ما بعد كما ذكرنا فلم يدغموا إذ المتقدم في قوة المفروع منه المنقطع المتصل بعد في النطق أقرب، فورد على ما يجب ويناسب. اهـ.

.من فوائد الفخر في الآية:

الآية دالة على أنه لا يمكن تصحيح الدين إلا بالدليل والنظر والاستدلال، وذلك لأنه تعالى شرط حصول الوعيد بتبين الهدى، ولو لم يكن تبين الهدى معتبرًا في صحة الدين وإلا لم يكن لهذا الشرط معنى. اهـ.
الآية دالة على أن الهدى اسم للدليل لا للعلم، إذ لو كان الهدى اسمًا للعلم لكان تبين الهدى إضافة الشيء إلى نفسه وأنه فاسد. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَمَن يُشَاقِقِ الرّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤْمِنِينَ نُوَلّهِ مَا تَوَلّى وَنُصْلِهِ جَهَنّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} [115]
{وَمَن يُشَاقِقِ الرّسُولَ} أي: يخالفه ويعاديه.
{مِن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُ الْهُدَى} أي: اتضح له الحق.
{وَيَتّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤْمِنِينَ} أي: غير ما هم مستمرون عليه من عقد وعمل، وهو الدين القيّم.
{نُوَلّهِ مَا تَوَلّى} أي: نجعله واليًا مرجحًا ما تولاه من المشاقة ومتابعة غير سبيلهم فنزينه له تزين الكفر على الكفرة، استدراجًا له ليكون دليلًا على شدة العقوبة في الآخرة، كما قال تعالى: {فَذَرْنِي وَمَن يُكَذّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مّنْ حَيْثُ لَا يَعْلمونَ} [القلم: 44]، وقال تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} [الصف: 5] وقال سبحانه: {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: 110].
{وَنُصْلِهِ جَهَنّمَ} أي: ندخله إياها.
{وَسَاءتْ مَصِيرًا} وجعل النار مصيره في الآخرة، لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا النار يوم القيامة، كما قال تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [سورة الصافات: 22]، وقال تعالى: {وَرَأَى المجْرِمُونَ النّارَ فَظَنّوا أَنّهُم مّوَاقِعُوهَا وَلم يجدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} [الكهف: 53].
قال الإمام ابن كثير: قوله تعالى: {وَيَتّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤْمِنِينَ} هذا ملازم للصفة الأولى، ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقًا، فإنه قد ضمنت لهم العصمة، في اجتماعهم، من الخطأ، تشريفًا لهم وتعظيمًا لنبيهم، وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك، ومن العلماء من ادعى تواتر معناها، والذي عوّل عليه الشافعيّ رحمه الله في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته، هذه الآية الكرمية، بعد التروّي والفكر الطويل، وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها، وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك فاستبعد الدلالة منها على ذلك. انتهى.
وقال بعض مفسري الزيدية: الآية دلت على أن مشاقة الرسول صَلّى اللهُ عليّه وسلّم كبيرة، وقد تبلغ إلى الكفر، ودلت على أن الجهل عذر، لقوله: {مِن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُ الْهُدَى} ودلت على أن مخالفة الإجماع كبيرة، وأنه دليل كالكتاب والسنة لكن إنما يكون كبيرة إذا كان نقله قطعيًا، لا آحاديًا. انتهى.
وقال المهايمي: في الآية دليل على حرمة مخالفة الإجماع، لأنه عز وجل رتب الوعيد الشديد على مشاقة الرسول ومخالفة الإجماع، فهو إما لحرمة أحدهما وهو باطل، إذ يقبح أن يقال من شرب الخمر وأكل الخبز استوجب الحد، إذ لا دخل لأكل الخبز فيه، أولحرمة الجمع بينهما وهو أيضًا باطل، لأن مشاقة الرسول حرام وإن لم يضم إليها غيرها، أو لحرمة كل واحد منهما وهو المطلوب. انتهى.
ونقل الخفاجي قصة استدلال الشافعيّ من هذه الآية عن الإمام المزني قال: كنت عند الشافعيّ يومًا، فجاءه شيخ عليه لباس صوف وبيده عصا، فلما رآه ذا مهابة استوى جالسًا، وكان مستندًا لأسطوانة، فاستوى وسوى ثيابه، فقال له: ما الحجة في دين الله؟ قال: كتابه قال: وماذا؟ قال: سنة نبيه، قال وماذا؟ قال: اتفاق الأمة، قال: من أين هذا الأخير؟ أهو في كتاب الله؟ فتدبر ساعة ساكتًا، فقال له الشيخ: أجّلتك ثلاثة أيام بلياليهن، فإن جئت بآية، وإلا فاعتزل الناس.
فمكث ثلاثة أيام لا يخرج وخرج في اليوم الثالث بين الظهر والعصر، وقد تغير لونه، فجاءه الشيخ وسلم عليه وجلس، وقال: حاجتي، فقال: نعم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله عز وجل: {وَمَن يُشَاقِقِ الرّسُولَ}- إلى آخر الآية، لَمْ ُيصله جهنم، على خلاف المؤمنين، إلا واتباعهم فرض، قال: صدقت، وقام وذهب.
وروي عنه أنه قال: قرأت القرآن في يوم وفي كل ليلة ثلاث مرات، حتى ظفرت بها.
وأورد الراغب عليه، أنه لا حجة فيها على ما ذكره، بأن كل موصوف علق به، حكم فالأمر باتباعه يكون في مأخذ ذلك الوصف، فإذا قيل اقتد بالمصلي فالمراد في صلاته، فكذا سبيل المؤمنين، يعني به سبيلهم في الإيمان، لا غير، فلا دلالة في الآية على اتباعهم في غيره.
ورُدَّ بأنه تخصيص بما يأباه الشرط الأول، ثم إنه إذا كان مألوف الصائمين الاعتكاف، تناول الأمر باتباعهم ذلك أيضًا، فكذلك يتناول ما هو مقتضى الإيمان فيما نحن فيه، فسبيل المؤمنين، وإن فسر بما هم عليه من الدين، يعمّ الأصول والفروع، الكل والبعض، على أن الجزاء مرتب على كل من الأمرين المذكورين في الشرط، لا على المجموع، للقطع بأن مجرد مشاقة الرسول كافية في استحقاق الوعيد، معنى على أن ترك اتباع سبيل المؤمنين اتباع لغير سبيل المؤمنين، لأن المكلف لا يخلو من اتباع سبيل، البتة. انتهى.
ورأيت للإمام تقي الدين ابن تيمية في كتابه «الفرقان بين الحق والباطل» مقالة بديعة في هذه الآية والإجماع، أجال فيها جواد قلمه وأجاد، وأطال وأطاب، قال رحمه الله: ما يسميه ناس الفروع والشرع والفقه، فهذا قد بينه الرسول أحسن بيان، فما بقي مما أمر الله به أو نهى عنه أو حلله أو حرمه إلا بيّن ذلك، وقد قاله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3].
وقال تعالى: {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111]، وقال تعالى: {وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لّكُلّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلمسْلمينَ} [النحل: 89]، وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللّهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبّي عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشورى: 10]، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتّى يُبَيّنَ لَهُم مّا يَتّقُونَ} [التوبة: 115]، فقد بين للمسلمين جميع ما يتقونه، كما قال: {وَقَدْ فَصّلَ لَكُم مّا حَرّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]، وقال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرّسُولِ} [النساء: 59]، وهو الرد إلى كتاب الله، أو إلى سنة الرسول، بعد موته.
وقوله: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ} شرط، والفعل نكرة في سياق الشرط، فأي شيء تنازعوا فيه ردُّوه إلى الله والرسول، ولو لم يكن بيان الله والرسول فاصلًا للنزاع لم يؤمروا بالرد إيه، وقد جاء عنه صَلّى اللهُ عليّه وسلّم أنه قال: «تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك».
وعن عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه كلام نحو هذا، والحاصل أن الكتاب والسنة وافيان بجميع أمور الدين، وأما إجماع الأمة فهو في نفسه حق، لا تجتمع الأمة على ضلالة، وكذلك القياس الصحيح حق، فإن الله بعث رسله بالعدل وأنزل الميزان مع الكتاب، والميزانُ يتضمن العدل وما يعرف به العدل، وقد فسروا إنزال ذلك بأن ألهم العباد معرفة ذلك، والله ورسوله يسوي بين المتماثلين ويفرق بين المختلفين وهذا هو القياس الصحيح، وقد ضرب الله في القرآن من كل مثل، وبين بالقياس الصحيح وهي الأمثال المضروبة، ما بينه من الحق، لكن القياس الصحيح يطابق النص، فإن الميزان يطابق الكتاب، والله أمر نبيه أن يحكم بالعدل، فهو أنزل الكتاب، وإنما أنزل الكتاب بالعدل، قال تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ} [المائدة: 49].
{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42].
وأما إجماع الأمة فهو حق، لا تجتمع الأمة، ولله الحمد، على ضلالة، كما وصفها الله بذلك في الكتاب والسنة، فقال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} [آل عِمْرَان: 110]، وهذا وصف لهم بأنهم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر، فلو قالت الأمة في الدين بما هو ضلال لكانت لم تأمر بالمعروف في ذلك، ولم تنه عن المنكر فيه، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]، والوسط العدل الخيار وقد جعلهم الله شهداء على الناس وأقام شهادتهم مقام شهادة الرسول.
وقد ثبت في الصحيح أن النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم مُرَّ عليه بجنازة فأثنوا عليها خيرًا، فقال: «وجبت».
ثم مُرّ عليه بجنازة فأثنوا عليها شرًا، فقال: «وجبت».
قالوا: يا رسول الله! ما قولك وجبت؟ قال: «هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرًا، فقلت: وجبت لها الجنة، وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرًا، فقلت: وجبت لها النار أنتم شهداء الله في الأرض».
فإذا كان الرب قد جعلهم شهداء لم يشهدوا بباطل، فإذا شهدا أن الله أمر بشيء فقد أمر به، وإذا شهدوا أن الله نهى عن شيء فقد نهى عنه، ولو كان يشهدون بباطل أو خطأ لم يكونوا شهداء الله في الأرض.